أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى
( أبو القاسم الشابي )
أدركتَ فَجْرَ الحَياة ِ أعمْى ***** وَكُنْتَ لاَ تَعْرِفُ الظَّلامْ
فَأَطْبَقَتْ حَوْلَكَ الدَّيَاجِي ***** وغامَ من فوقِك الغمامْ
وَعِشْتَ في وَحْشَة ٍ، تقاسي ***** خواطراً، كلّها ضرامْ
وغربة ٍ، ما بها رفيقٌ ***** وظلمة ٍ، ما لها ختام
تشقُّ تِيهَ الوجودِ فرداً***** قد عضّك الفَقْرُ والسُّقَامْ
وطاردتْ نفسَك المآسي ***** وفرَّ من قلبِك السّلامْ
هوِّنْ عَلى قلبك المعنَّى ***** إنْ كُنْتَ لاَ تُبْصِرُ النُّجُومْ
ولا ترى الغابَ، وهْو يلغو ***** وفوقه تَخْطُرُ الغُيومْ
ولا ترى الجَدْوَلَ المغنِّي ***** وَحَوْلَهُ يَرْقُصُ الغيم
فكلُّنا بائسٌ، جَدير ***** برأفة ِ الخالقِ العَظيمْ
وكلُّنا في الحياة أعمى ***** يَسُوقه زَعْزَعٌ عَقِيمْ
وحوله تَزْعَقُ المَنَايا ***** كأنَّها جِنَّة ُ الجَحِيمْ:
يا صاح! إن الحياة قفرٌ ***** مروِّعٌ، ماؤهُ سرابْ
لا يجتني الطَّرْفُ منه إلاّ ***** عَواطفَ الشَّوكِ والتُّرابْ
وأسعدُ النّاس فيه أعمى ***** لا يبصرُ الهولَ والمُصابْ
ولا يرى أنفس البرايا ***** تَذُوب في وقْدَة ِ العَذَابْ
فاحمدْ إله الحياة ، وافنعْ ***** فيها بألْحَانِكَ العِذابْ
وعِشْ، كما شاءَتِ الليالي ***** من آهَة ِ النَّاي والرَّبَابْ