حَذَّر فضيلة الشيخ الدكتور عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس وخطيب المسجد الأقصى المبارك، من خطورة الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني على القدس والمسجد الأقصى المبارك؛ مما يجعل المقدسيين فريسةً لسلطات الاحتلال.
ودعا فضيلته أثناء حواره الفرقاء الفلسطينيين إلى الاتفاق على قواسم مشتركة وعدم طرح أمورٍ فرعية، والاتفاق على أسس كما حصل في تحرير الجزائر وفيتنام، ليحدث بعد ذلك الحوار والنقاش الفلسطيني.
وتعرض الشيخ صبري لعمليات تهويد المدينة المقدسة وحملات الاستيطان بها، وعمليات الصهينة التي أصبحت إسرائيل تمارسُها على نطاق واسع في المدينة المقدسة، بالإضافة إلى حديثه عن جوانب أخرى، جاءت في الحديث التالي:
حملات تهويد القدس
** ما توصيفك لحملات التهويد التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك حاليًا، وما يخطط لمدينة القدس الشريف من عمليات تهويد وصهينة؟
- فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، فخطران يهددانه، أوَّلهما محاولة المتطرفين اليهود اقتحامه والصلاة فيه والعيث فيه فسادًا.
أما الخطر الآخر فيتمثل في وجود الحفريات التي تنقسم إلى قسمين: حفريات في البلدة القديمة تتجه ناحية الجدار الغربي، وحفريات أو أنفاق في سلوان تتجه للجدار الجنوبي.
كما أن الهدف المُعلَن للحفريات هو البحث عن هيكل سليمان المزعوم، في حين أنهم لم يجدوا حجرًا يؤكد مزاعمهم، رغم أنهم ينقِّبون عن هذا الهيكل منذ القرن الثامن عشر.
وفي هذا السياق، أُشير إلى أن اليهود يعدون سيدنا سليمان u مَلِكًا وليس نبيًّا كما نؤمن نحن المسلمون، وبالتالي فإن الهيكل أو المعبد المزعوم الذي يبحثون عنه خاص بملِك؛ ولذلك فلا ينبغي أن تكون له قدسية.
كما أن الله I أمر المسلمين بالحفاظ على أماكن عبادة غير المسلمين، فكيف يطلب منهم بناء مسجد (المسجد الأقصى) فوق الهيكل (هيكل سليمان) في حالة ما إذا كان الهيكل مقدسًا كما يزعمون؟! وذلك في حالة ما إذا كان موجودًا من الأساس، في الوقت الذي لا يعرفون موقعَه حتى الآن!
وأؤكد أن الاعتداءات الإسرائيلية على القدس تشمل الحجر والبشر؛ فالبيوت الفلسطينية في المدينة مهدَّدَة بالهدم بحجة عدم وجود ترخيص للبناء، وتحديدًا هناك 3000 بيت تم فتح ملفات لهدمهم خلال ثلاث سنوات، كما أن البشر مهددون بالنوم في العراء.
كما أن هناك مخططًا إسرائيليًّا لبناء 50 ألف وحدة سكنية في القدس في العام الجاري (2010م)، كما أنهم لم يلتزموا بتجميد الاستيطان وبناء المستوطنات التي تعدُّ جميعُها غير شرعية لإقامتها على أرضٍ مغتصَبة ولتمزيقها للبلاد.
ومن هنا فإن سلطات الاحتلال ماضيةٌ في تنفيذ تلك المخططات؛ لأنها وجدت الفرصةَ سانحةً نتيجةً للانقسام الفلسطيني الداخلي، وعدم وجود مواقف مشرِّفَة للحكومات العربية، على نحو ما ذكرت.
تواطؤ دولي
** ما تعليقك على بعض المطالبات التي تدعو إلى جعل القدس تحت الحماية الدولية للمنظمات المختلفة كمنظمة "اليونسكو" وغيرها؟
- حقيقةً أرفض وضع القدس تحت الحماية الدولية، خاصةً وأن هناك جهودًا تُبذَل لـ"تهويد القدس"، ونحن نرفض كليهما؛ لأننا إن وافقنا على الإشراف الدولي فإننا لا نضمن مستقبلاً تحريرَ المقدسات.
كما أنني لا أثق في المنظمات الدولية ومنها "اليونسكو"، التي تواطأت مع الاحتلال الإسرائيلي في قضية حارة المغاربة رغم الأدلة التي قدمناها لهذه المنظمة المزعومة، إضافةً إلى أننا كعرب ومسلمين لسنا أطفالاً حتى نطلب الحماية من غيرنا.
** وفي هذا السياق، كيف ترى أفق مدينة القدس في ظل تعثُّر عملية التسوية؟
- في الواقع، أنا غير متفائل إزاء إمكانية وجود حلّ لقضية القدس سياسيًّا؛ ولذلك نطالب حاليًا بالعمل على الوقوف ضد هدم المنازل العربية في المدينة ورصد الميزانيات الكافية للحفاظ على الإسكان والمؤسسات التعليمية وغيرها.
وأشدِّد في هذا السياق على أهمية استثمار الانتهاكات التي تحدث في فلسطين ومدينة القدس دوليًّا، ونقل الاهتمام الذي يسود العالم العربي والإسلامي بتلك القضية إلى الغرب ومخاطبتهم.
** سبق أن دعوتَ العرب والمسلمين من المتجنِّسِين بجنسيات أجنبية، فكيف يمكن فهم دعوتك هذه، في ظلّ الجدل المثار حول الحصول على تأشيرة إسرائيلية كاعتراف بالاحتلال؟
- نعم، فقد سبق أن حذّرت العرب والمسلمين من خطورة زيارة القدس ومقدساتها مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة؛ حتى لا يتمّ تثبيت واقع الاحتلال الإسرائيلي على الأرض.
إلا أنه عند مطالبتي بذلك للمتجنسين بالجنسية الأجنبية، فإن ذلك لن يكون مانعًا أو تثبيتًا للاحتلال على الأرض، ولذلك فليس هناك مانعٌ من قيام العرب والمسلمين الذين يحملون جنسيات غربية من زيارة المدينة ومقدساتها؛ نظرًا لأن حكوماتهم تعترف أساسًا بالاحتلال الإسرائيلي.
** وما تفسيرُك لتركيز بعض أجهزة ووسائل الإعلام العربية على الخلط بين صورة مسجد قبة الصخرة على اعتبار أنها صورة المسجد الأقصى المبارك؟
- ربما يكون ذلك لأن صورة مسجد قبة الصخرة تكون أفضل وأوضح، ونتيجةً لجمالها المعماري؛ ولذلك أناشدُ الإعلام إظهار الصورة الجوية الخاصة بالحرم القدسي عوضًا عن إظهار صورة مسجد قبة الصخرة.
وحقيقةً، الإعلامُ عليه دورٌ كبير في إثبات ما يتعرض له القدس والمسجد المبارك لمخاطر التهويد، وهنا أشير إلى أن المسجد الأقصى يُقصدُ به الحرم القدسي الذي يحتلُّ مساحة 38 فدانًا، ويسع نصف مليون مصلٍّ، ويشمل المسجدين الأقصى وقبة الصخرة.
ومن الضروري نقل الاهتمام بالقدس إلى الإعلام الغربي وترجمة ما يُنشر عنها إلى خارج الدول العربية؛ لتغيير وجهة النظر الأوربية واستثمار كل حدث لمخاطبة الغرب فيما يتعلق بالقدس، وتأكيد حقِّنَا العربي والإسلامي فيها.
وقد سبق أن صدرت أخيرًا وثيقة عن الكنائس العالمية في بيت لحم، وتم ترجمتها إلى عدة لغات وسيتم تعميمُها، ونحن بحاجة إلى استنهاض كل ما يكتب عن القدس، وسنصدر وثيقة في الهيئة تؤكد حقنا في هذه المدينة.
توثيق تاريخ القدس
** وفي هذا السياق، ما الدور الذي تقومون به لتوثيق تراث القدس، بما يثبت عروبتها وإسلاميتها؟
- هناك تعاون مع الحكومة التركية لتوثيق الأرشيف العثماني للقدس، والحق العربي والفلسطيني واضح، ومن يدعي أننا لا نملك وثائق فهو يكابر ويمارس تزييفًا للعقول.
والاحتلالُ يسعى إلى تشبيك الموضوع لإضاعة القدس وإشغالنا، وإذا كنا نؤمن نحن بالديانات الثلاث، فإن اليهود لا يؤمنون بالإسلام، والمطلوب إعادة القدس كما كانت قبل العام 1967م.
ولا شكَّ أن التوثيق للقدس ينبغي أن يكون توثيقًا علميًّا بالوثائق والصور وغيرها من المواد، وهذا ضرورةٌ لا خلافَ على أهميتها، كما أنه خدمة يمكن أن يقوم بها كل من يريد الدفاع عن المدينة المقدسة؛ وذلك كي يكون النقاش العربي في هذا الموضوع نقاشًا علميًّا مجردًا من العواطف، وهو ما يضمن التواصل مع الغرب.
وأشير إلى أن حق العرب والمسلمين في القدس تاريخي وديني، فالتاريخي يكمن في أن العرب هم أول من سكنوا أرض فلسطين والشام، وهو ما تدلل عليه نتائج الحفريات الإسرائيلية في القدس، بينما يتمثَّل الحق الديني في أن سيدنا عيسى u وُلد في بيت لحم ونشأ في الناصرة ثم سكن القدس، كما أن حادثة الإسراء والمعراج جاءت لربط القدس بمكة المكرمة والمدينة المنورة.
كما أن القدس أصبحت تابعةً للعرب والمسلمين سياسيًّا في العام 15 هجريًّا حين دخلها عمر بن الخطاب t، ليعقدَ بعدها ما سُمِّي بـ"العهدة العمرية"، والتي حافظ بموجبها على المقدسات غير الإسلامية والتي كانت في حينها المقدسات المسيحية، وهو ما يدلل على أنه لم تكن هناك كنس يهودية آنذاك.
وهنا أتساءل: لماذا ادَّعَى اليهود مؤخرًا أحقيتَهم بما يسمى حائط المبكى (حائط البراق) دون أن يفعلوا ذلك قبل 15 قرنًا من ظهور الإسلام؟ هذه الادعاءات هدفها قطع روابط العرب والمسلمين بالقدس، وهو لم -ولن- يحدث بعون الله.
انعكاسات الخلاف الفلسطيني
** وكيف ترى انعكاسات الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني على مدينة القدس، وتأثير ذلك على استثمار المحتل الإسرائيلي لهذا الخلاف في الفتك بالمقدسيين؟
- لا شكَّ أن الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني أثّر تأثيرًا كبيرًا على أوضاعنا في القدس المحتلة، وانفراد سلطات الاحتلال بنا، وهو ما حدث بالفعل نتيجةً لانشغال العرب، وتقاعس الحكومات؛ مما كان فرصةً لتحقيق اليهود لمآربهم.
ولا شكّ، هذا أمر مؤسف ومؤلم، فمن الضروري الاتفاق على قواسم مشتركة وعدم طرح أمورٍ فرعية والاتفاق على أسس، كما حصل من قبلُ في تحرير الجزائر وفيتنام، ليحدث بعد ذلك الحوارُ والنقاشُ الفلسطيني.
وفي هذا الإطار، أثمِّن كل الجهود العربية، ومنها الجهود المصرية في التقريب بين الفُرقاء الفلسطينيين، وأن تستمرّ هذه الجهود للوصول إلى مبتغاها؛ نظرًا لأن الانقسام أفاد الأعداء وأضرّ بالقضية الفلسطينية.
موضوع: تهويد القدس ماض في ظل انقسام فلسطيني وصمت عربي 
الأربعاء ديسمبر 29, 2010 3:26 pm
