ولو تُبْصِرُ الدنيا وراءَ سُتُورِها ** رأيتَ خيَالا في منامٍ سَيُصْرَمُ
كحُلمٍ بطيفٍ زار في النوم وانقضَى الـْ ** ـمنامُ وراحَ الطيفُ والصبُّ مُغْرَمُ
وظِلٍّ أتتْهُ الشمسُ عند طلوعِها ** سَيُقْلَصُ في وقتِ الزوالِ ويَفْصِمُ
ومُزْنَةِ صيفٍ طابَ منها مَقِيلُها ** فولَّتْ سرِيعًا والحُرُورُ تَضَرَّمُ
ومَطْعَمِ ضيفٍ لذَّ منه مَسَاغُهُ ** وبعدَ قليلٍ حالُهُ تلكَ تُعْلَمُ
كَذا هذهِ الدُّنيا كأحلامِ نائمٍ ** ومِنْ بعدِها دارُ البقاءِ سَتُقْدِمُ
فجُزْها مَمَرًّا لا مقرًّا وكنْ بِها ** غريبًا تَعِشْ فيها حمَيِدًا وتَسْلَمُ
أو ابنَ سبيلٍ قالَ في ظِلِّ دَوْحَةٍ ** وراحَ وخلَّى ظِلَّها يَتَقَسَّمُ
أخا سَفَرٍ لا يستقرُّ قَرارُهُ ** إلى أنْ يَرى أوطانَهُ ويُسَلِّمُ
فيا عجبًا ! كمْ مَصْرَعٍ وَعَظَتْ بِهِ ** بنِيها ولكنْ عن مَصارعِها عَمُوا
سقتْهمْ كؤوسَ الحُبِّ حَتى إذا نَشَوْا ** سقتْهم كؤوسَ السُّمِّ والقومُ نُوَّمُ
و أعجبُ ما في العَبْدِ رؤيةُ هذه الـْ ** ـعَظائِمِ والمغرورُ فيها مُتَيَّمُ
وما ذاك إلا أنَّ خمرةَ حُبِّها ** لَتَسْلِبُ عقلَ المرءِ منه وتَصْلِمُ
وأعجبُ مِن ذا أن أحبَابَها الأُلى ** تُهينُ ولِلأَعْدَا تُراعِي وتُكْرِمُ
وذلكَ بُرهانٌ على أنّ قدْرَها ** جناحُ بعوضٍ أو أدقُّ و أَلْأَمُ
وحَسْبُكَ ما قال الرسولُ مُمَثِّلا ** لها ولِدارِ الخُلدِ والحقُّ يُفهَمُ
كما يُدلِيَ الإنسانُ في اليمِّ أُصْبُعًا ** ويَنْزِعهُا عنه فما ذاكَ يَغْنَمُ