فائدة: المحب الصادق من وجد أنسه بالله بين الناس ووجده في الوحدة
من فقد أنسه بين الناس ووجده في الوحدة فهو صادق ضعيف. ومن وجده بين الناس وفقده في الخلوة فهو معلول. ومن فقده بين الناس وفي الخلوة فهو ميت مطرود، ومن وجده في الخلوة وفي الناس فهو المحب الصادق القوي في حاله، ومن كان فتحه في الخلوة لم يكن مزيده إلا منها، ومن كان فتحه بين الناس ونصحهم وإرشادهم كان مزيده معهم، ومن كان فتحه في وقوفه مع مراد الله حيث أقامه في أي شيء استعمله كان مزيده في خلوته ومع الناس، فأشرف الأحوال ألا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه.
مصابيح القلوب الطاهرة في أصل الفطرة منيرة قبل الشرائع (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) (الآية: 35 من سورة النور.).
وحَّدَ قُسٌّ وما رأى الرسول، وكفر ابن أُبي وقد صلى معه في المسجد.
مع الصب ري ولا ماء، وكم من عطشان في اللجة.
سبق العلم بنبوة موسى وإيمان آسية فسيق تابوته إلى بيتها فجاء طفل منفرد عن أم إلى امرأة خالية عن ولد! فلله كم في هذه القصة من عبرة: كم ذبح فرعون في طلب موسى من ولد ولسان القدر يقول: لا تربيه إلا في حجرك!
كان ذو البجادين (15) يتيماً في الصغر فكفله عمه فنازعته نفسه إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فهمَّ بالنهوض فإذا بقية المرض مانعة فقعد ينتظر العم، فلما تكاملت صحته نفذ الصبر فناداه ضمير الوجد:
إلى كم حبسها تشكو المضيقا ** أثرها ربما وجدت طريقاً
فقال: يا عم طال انتظاري لإسلامك وما أرى منك نشاطاً، فقال: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك، فصاح لسان الشوق: نظرة من محمد أحب إلى من الدنيا وما فيها.
ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها ** تريد أم الدنيا وما في طواياها
لقال ترابٌ من غبار نعالها ** ألذ إلى نفسي وأشفى لبلواها
فلما تجرد للسير إلى الرسول صلى الله عليه وسلم جرده من الثياب فناولته الأم بجادا فقطعه لسفر الوصل نصفين : اتزر بأحدهما وارتدى بالآخر، قنع أن يكون في ساقة الأحباب، والمحب لا يرى الطريق؛ لأن المقصود يعينه.
ألا بلغ الله الحمى من يريده ** وبلغ أكناف الحمى من يريدها
فلما قضى نحبه نزل الرسول صلى الله عليه وسلم يمهد له لحده وجعل يقول: اللهم إني أمسيت عنه راضياً فارض عنه. فصاح ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب القبر.
فيا مخنث العزم أقل ما في الرقعة البيذق فلما نهض تفرزن.(16)
رأى بعض الحكماء برذوناً يسقى عليه فقال لو هملج هذا لركب.
إقدام العزم بالسلوك اندفع من بين أيديها سد القواطع.
القواطع محن يتبين بها الصادق من الكاذب فإذا خضتها انقلبت أعواناً لك توصلك إلى المقصود.(بن القيم)