ما الذي يهدّد أمن العالم الإسلامي؟
يبدو أن أمن “إسرائيل” لا يتحقق في نظر الصهاينة إلا من خلال تفكيك الدول العربية، وبعض الدول الإسلامية . فالدولة اليهودية المزعومة يقوى ساعدها وسط دويلات طائفية وعرقية، قائمة على التناحر والاحتراب .
إحدى الوسائل التي تعتمدها “إسرائيل” هي تأجيج النزاع بين السنّة والشيعة، وتصوير العالم الإسلامي كأنه مجموعة فرق متصارعة . وعليه فإنه يستحيل قيام دولة بالمعنى العلمي للكلمة .
من يتأمل في واقع العالم الإسلامي من حدود الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلسي غرباً يلاحظ استثارة النعرات الطائفية والمذهبية . وما كان يُطرح منذ عقود حول صراعات محتملة بين مجموعات سكانية داخل الدولة الواحدة، صار أمراً واقعاً . وهناك شواهد على ذلك في باكستان وأفغانستان والعراق والكويت واليمن والبحرين ولبنان واليمن ومصر، وغيرها من الدول العربية والإسلامية .
قد يطرح سؤال عن الدور “الإسرائيلي”: لماذا نتّهم “إسرائيل” عند كل فتنة تقع في بلاد العرب والمسلمين، ونعتقد أنها تقف وراءها؟
الجواب يكمن في كتابات بلغات مختلفة، تحت عنوان الاستشراق، أو التحديث، أو حرية الرأي والتعبير . . . وتستهدف في مجملها العقيدة الإسلامية، كالقول بتناقضات القرآن، أو أخطاء القرآن، كما فعل المستشرق الألماني تيودور نولدكه في كتابه (تاريخ القرآن) . حيث يرمي القرآن الكريم بالطعون والشبهات حتى عنوان حرية الفكر والتعبير .
نحن لا ننكر وجود جهالة عند كثيرين ممن يدّعون معرفة علوم الدين، في أوساط السنّة والشيعة . بل هناك كتب صفراء موروثة، فيها من الحقد والكراهية ما تأنف منه النفوس كما العقول . فمنطق التكفير يتناقض مع جوهر الإسلام، واللجوء إلى الت.. أو اللعن مرفوض شرعاً وعقلاً . وما من عالم تقي إلا ويرفض مثل هذه الضلالة العمياء، حسبنا هنا الإشارة إلى علماء كبار في الأزهر الشريف في طليعتهم الشيخ محمود شلتوت، وإلى العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله الذي وافته المنية منذ شهور، وغيرهما كثيرون ممن تصدوا للفتنة .
لا بد من القول إن الفتنة مرفوضة لأنها أشد من القتل كما يحدّد القرآن الكريم . وقد أتت الفتوى المهمة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي، التي تحرّم التعرّض لأمهات المسلمين من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، في موقعها، وفي زمانها حيث تعصف بالأمة الإسلامية رياح الفتن والانقسام . وجاء في المقابل رد إيجابي من لبنان، تمثّل في تصريح مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، الذي ثمّن هذه الفتوى، ودعا إلى وحدة المسلمين بدءاً من وحدة أيمانهم وعقيدتهم .
قد يختلف المسلمون في السياسة، وهذا أمر جائز شرط عدم تعريض وحدة الدولة للخطر . وكيف إذا كان الخطر يتهدّد وحدة الأمة؟
أشرنا إلى تهديد وحدة الدول العربية والإسلامية، بما يهدّد أمن العالم الإسلامي . أما أمن “إسرائيل” فَلَهُ الأولوية في منظور القوى الدولية الكبرى . السبب الأساس وراء تراجعنا وانكشاف أمننا هو الانقسام والتصدّع الداخلي . هكذا ضاعت فلسطين، ويتهدد غير بلد عربي بالضياع!
في هذه المرحلة الصعبة، لترتفع أصوات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، داعيةً إلى وحدة المسلمين في أوطانهم بعيداً عن العصبية المذهبية أو العرقية . ولتعل دعوات الوسطية والاعتدال، التي تجسّد جوهر الإسلام . وليتذكّر المسلمون كافة، أن الأساس في معتقداتهم هو الإسلام، أما المذاهب فهي مدارس فقهية تتجدد في ضوء حاجات الناس . هل نعود إلى الأساس؟