مأثرة جديدة تجترحها الجامعة العربية
الذين راهنوا على وعود الرئيس الأميركي باراك أوباما بتغيير السياسات التي اتبّعها سلفه جورج دبليو بوش، وذلك بتحسين العلاقات الأميركية بالعالم الإسلامي وتصويبها، وبإيجاد "حل الدولتين" للقضية الفلسطينية كأولوية من أولويات إدارته، لم يعرفوا كيف يخدمون رهانهم بالسياسة والمواقف، وأخطؤوا في الكيفية التي سعوا بها لدعم أوباما وتشجيعه مقابل ما يتعرّض له من ضغوط اللوبي اليهودي الأميركي، كيف؟.
لنأخذ مثلاً أو نموذجاً, لجنة متابعة مبادرة السلام العربية في الجامعة العربية، بما مثلته مواقفها وسياساتها (قراراتها) في التعامل مع الطلبات الأميركية منها، ومن محمود عباس، في ما يتعلق بقضية إدارة السياسة إزاء ما يطرحه جورج ميتشل المبعوث الخاص لأوباما من أجل إيجاد "حل الدولتين" (التصفوي للقضية الفلسطينية).
جاء ميتشل في أولى غزواته بمشروع مفاده وقف الاستيطان كلياً في الضفة الغربية والقدس مقابل خطوات تطبيعية عربية لاحقة في أثناء إطلاق المفاوضات المباشرة على أساس "حل الدولتين". وقد قوبل مبدأ وقف الاستيطان كلياً شرطا لإطلاق المفاوضات المباشرة بالترحيب الشديد من جانب محمود عباس والحكومة المصرية وبقية الدول العربية التي راحت تراهن على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. ولم يكن الموقف الأوروبي/الدولي (الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة) مختلفاً في الترحيب الشديد بمشروع ميتشل. ولكن يجب أن يذكر أن موضوع التطبيع طُلب من ميتشل تأجيله ريثما تنطلق المفاوضات وتبدأ بعض "الإيجابيات" في الظهور.
ولكن حكومة نتنياهو رفضت رفضاً قاطعاً وقف الاستيطان كلياً. وتقدّمت بمشروع وقفه جزئياً في الضفة الغربية، وعدم المساس به في "القدس الكبرى"، بما في ذلك في القدس القديمة وما حولها من أحياء وقرى عربية.
وبعد أخذ وردّ، أو جذب وشدّ، في واشنطن، تراجع أوباما وقبِلَ بمشروع نتنياهو آنف الذكر لإطلاق المفاوضات. وبهذا عاد ميتشل إلى المنطقة بالمشروع الجديد، وطلب من محمود عباس النزول عن الشجرة التي رفعه عليها من خلال مشروعه الأول. وكان ذلك محرجاً جداً خصوصاً أنه جاء بعد فضيحة تأجيل قرار المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف بخصوص تقرير غولدستون.
ومن هنا كان المخرج أن يطرح الموضوع على لجنة المتابعة لتقوم هي بتغطية محمود عباس في قبول المشروع الجديد. طبعاً كان الأمر لا يقل إحراجاً بالنسبة للجنة المتابعة والدول العربية التي تؤثر في قراراتها وتؤمن لها الأغلبية. ولهذا قررت اللجنة القبول به بشروط تحديد المدّة بأربعة أشهر لوقف الاستيطان كلياً، وسوّغت قرارها بحجة علنية هي أن ذلك سيكون الفرصة الأخيرة، وبأنها فعلته من أجل دعم أوباما.
ولكن قبل أن يجف الحبر عن هذا القرار العتيد، ومع رفض نتنياهو لتحديد المدّة، عاد أوباما للتراجع مرّة أخرى ولتعديل مشروع ميتشل للمرّة الثانية، وطلب من عباس ولجنة الرباعية تأييد المشروع الجديد. وذلك من خلال البدء في مفاوضات غير مباشرة تمهيداً لتحويلها إلى مباشرة بأسرع ما يمكن.
ما كان من لجنة المبادرة إلاّ أن رضخت لطلب أوباما الجديد. وقبلت به لتغطي موقف عباس مرّة أخرى بالعودة إلى المفاوضات غير المباشرة، مع استمرار الاستيطان الماضي بأقصى سرعته في "القدس الكبرى" وفي الأجزاء المستثناة من الوقف الجزئي للاستيطان في الضفة الغربية.
على أن أوباما في لقائه الأخير مع نتنياهو اقتنع بالعودة الفورية إلى المفاوضات المباشرة في ظل شروط نتنياهو باستمرار الاستيطان في القدس ووقفه جزئياً في الضفة (عملياً لم يوقف جزئياً). وهكذا عاد ميتشل مرّة أخرى بمشروع جديد طالباً من لجنة المتابعة تغطية محمود عباس الذي لم يعد يعرف أين يذهب بوجهه وهو ذاهب إلى المفاوضات المباشرة، تماماً، وبلا نقصان، كما اشترط نتنياهو.
وفي 29/7/2010 لبّت لجنة المتابعة الطلب الأميركي الجديد من دون أن يطرف لها جفن أو تشعر بحرج. فتغطيتها لتنازلات محمود عباس وتلبيتها لما يطلبه أوباما جاهزة وبلا تردّد.
والسؤال: لو أن لجنة المتابعة ومَنْ وراء قراراتها وقفا منذ أن بدأ أوباما يفكر في التراجع عن مشروع ميتشل الأول بوقف الاستيطان كلياً، وقالا لأوباما لا نستطيع، ولا يمكن أن نتراجع عن وقف الاستيطان كلياً، ومن ثم تركوه أمام خيارين إما التمسّك بمشروعه الأول وإما تعطيل العملية السياسية ما لم يوقف الاستيطان، لكانا ساعدا أوباما -وهما الحريصان على مساعدته ودعمه- أكثر مما ساعداه ودعماه في تراجعهما وقبولهما بتراجعه أمام نتنياهو. لأنه عندئذ يستطيع أن يتمسّك بموقفه ويحذر اللوبي من النتائج.
ولو أن لجنة المتابعة ومَنْ وراء قراراتها (وبصراحة مصر والسعودية) لم يتراجعا في المرّة الثانية، لساعدا أوباما ودعماه أكثر بكثير من تشجيعه ودعمه في الموافقة على تراجعاته أمام نتنياهو واللوبي اليهودي الأميركي، مما أفقده كل صدقية وحوّله إلى رئيس هزيل أمام نتنياهو واللوبي اليهودي.
والسؤال اللاحق المكمل للأول: ألم يُشجع استعداد لجنة المتابعة ومَنْ وراء قراراتها أوباما على التراجع أمام نتنياهو ما دام سيكسب الحُسْنَيَيْن: سيرضي اللوبي اليهودي الأميركي من جهة، ولن يُغضِبَ العرب أو يخسر شيئاً من جهة ثانية، وستستمر العملية السياسية على حساب الفلسطينيين والعرب من جهة ثالثة (ثلاث حُسنيات).
من هنا يمكن القول إن الذين راهنوا على وعود الرئيس الأميركي باراك أوباما وأرادوا دعمه لم يعرفوا كيف يخدمون رهانهم. وأخطؤوا في الكيفية التي سعوا بها لدعمه وتشجيعه.
ببساطة كانت حجة الذين ضغطوا على أوباما في الاتجاه الآخر واضحة ومقنعة: لم أنت خائف من قبول ما نعرضه عليك ما دمت ستكسب تأييدنا، فيما ستظل كاسباً لما تريده من عباس ولجنة المتابعة وممـَّّن هم وراء قراراتها. فهؤلاء لن يردّوا عليك بما يحرجك أو بما يجعلك تختار بين أهوَن الشرّيْن. فلماذا لا ترضينا بينما هم رضاهم مضمون؟.
وبكلمة، المشكل ليس في أوباما ومعاونيه فحسب، وليس في قوّة اللوبي اليهودي الأميركي فحسب، وإنما أيضاً في موقف محمود عباس/سلام فياض ولجنة المتابعة ومَنْ يقف وراء قراراتها. فالأخيرون حتى من الزاوية المهنية في التكتيك السياسي أثبتوا أنهم بحاجة إلى العودة إلى "الألف باء".