صفعة في وجه الرهان على الجهود الأميركية بشأن التسوية
اشرف عبد الكريم
الرهانات على واشنطن بشأن التسوية صفعة من العيار الثقيل، بعد أن وضعت إدارة أوباما أمام حكومة نتنياهو سلة من المغريات السياسية والأمنية مقابل الموافقة على تجميد جزئي ومؤقت «إضافي» للاستيطان من أجل إقناع المفاوض الفلسطيني بالعودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة.
رزمة المغريات هذه قدمتها بشكل رسمي وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون خلال اجتماعها ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (11/11) أثناء زيارته مؤخرا إلى الولايات المتحدة، وقد أبلغها أنه سيبحث العرض الأميركي مع حكومته المصغرة لدى عودته إلى تل أبيب.
يحصل ذلك في سياق «المهلة» الإضافية التي منحتها لجنة المتابعة العربية التي مددت فترة الشهر المنتهية في 9/11 وأضافت لها ثلاثة أسابيع أخرى كي تفسح في المجال للجهود الأميركية من أجل إقناع بنيامين نتنياهو بتجديد قرار تجميد البناء الاستيطاني لفترة مؤقتة أخرى بعد انتهاء الفترة السابقة في 26/9 الماضي.
فهل تقرأ لجنة المتابعة العربية جيدا ما تعنيه هذه الصفقة (الصفعة) وخاصة أنها تجاوزت في بنودها حدود العلاقة الثنائية بين واشنطن وتل أبيب باتجاه حصر نتائج المفاوضات بما يمكن أن يوافق عليه الجانب الإسرائيلي ربطا بمشروعه التوسعي وما تحمله من تهديد لدول المنطقة وشعوبها؟
وهل يقرأ المفاوض الفلسطيني أيضا بشكل جدي ومسؤول معنى هذه الصفقة وينتقل فعليا باتجاه الخيارات والبدائل التي طرحها في وقت سابق في حال عدم موافقة نتنياهو على تجميد الاستيطان مع الإشارة هنا إلى أن العرض الأميركي لا يشمل القدس الشرقية في طلب تجميد الاستيطان؟
«المباشرة».. والموقف الفلسطيني
على الرغم من أن موجة ردات الفعل تجاه الصفقة الأميركية المعروضة على تل أبيب قد تعاظمت مؤخرا، إلا أن مقدمات هذه الصفقة قد طرحت وتناولتها وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية في وقت سابق.
فمنذ انطلاق المفاوضات المباشرة بين الجانبيين الفلسطيني والإسرائيلي في واشنطن (2/9) كان واضحا أن حكومة نتنياهو لن تتزحزح عن موقفها الرافض تمديد فترة التجميد الجزئي للاستيطان، وانتهت جلسة المفاوضات تلك عند حدود الإعلان عن بدء هذه المفاوضات رسميا.. لا أكثر.
على ذلك، بذلت جهود مختلفة الجهات من أجل أن تحمل الجلسة التي تلتها (شرم الشيخ 14/9) جديدا بما يخص موضوع البناء الاستيطاني، إلا أنها انتهت كسابقتها، مما أدى إلى تلبد جو المفاوضات بما ينذر بعدم استمرارها بعد أن أعلن المفاوض الفلسطيني أن استمرار المفاوضات المباشرة رهن بتجميد الاستيطان.
عندها تدخلت وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون، ودفعت باتجاه لقاء عاجل انعقد في اليوم التالي في القدس الغربية (15/9) في مكتب بنيامين نتنياهو بحضور الرئيس عباس والوزيرة كلينتون، إلا أن موضوع تجميد الاستيطان لم يتقدم قيد أنملة، واعتبر الجانب الفلسطيني ذلك بمثابة إفشال إسرائيلي مسبق للمفاوضات المباشرة ونتائجها.
وتعزز هذا الموقف مع اجتماع قيادي فلسطيني موسع في رام الله ضم أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وممثلي قوى وفصائل منظمة التحرير وأعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح وأقر المجتمعون عدم العودة إلى المفاوضات مع استمرار الاستيطان.
«المتابعة العربية».. ومهلة الشهر
حُمل الموقف الفلسطيني المذكور إلى اجتماع لجنة المتابعة العربية الذي عقد على هامش القمة العربية الطارئة في ليبيا (8/10) وطرح فيه الجانب الفلسطيني على لسان الرئيس محمود عباس (أبو مازن) مجموعة من الخطوات سيتم اعتماد تنفيذها (بالتوالي) ربطا بنتائج الجهود التي تبذل من أجل تجميد الاستيطان قبل القبول باستئناف المفاوضات.. وجاءت هذه الخطوات على النحو الآتي:
* إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان، سيتم مواصلة المفاوضات المباشرة.
* إذا لم يحصل ذلك، سيتم التوجه إلى الولايات المتحدة ومطالبتها بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67، على أن تترك للأطراف مسألة التفاوض حول تبادل الأراضي.
* إذا لم تستجب واشنطن، يتم التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار للاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67 على أن يترافق ذلك مع الطلب من الولايات المتحدة بألا تعرقل صدور هذا القرار.
* إذا لم يحصل ذلك، تتم المطالبة بفرض الوصاية الدولية على الشعب الفلسطيني.
* في حال لم تنجح الاحتمالات السابقة، فسيكون الخيار المطروح هو رهن استمرار وفاء منظمة التحرير بالتزاماتها بموجب الاتفاقات الموقعة، بمدى التزام إسرائيل بهذه الاتفاقات.
* وفي حال واصلت إسرائيل خرق التزاماتها، يعلن الجانب الفلسطيني وقف التزاماته أيضا.
لجنة المتابعة العربية وبعد أن أكدت صحة الموقف الفلسطيني، لم تدخل في نقاش عملي يبحث في آليات تنفيذ الخطوات المطروحة فلسطينيا، بل أحالت ذلك إلى لجنة قانونية تدرس إمكانية تنفيذها من الجانب القانوني. لكن ما خلصت لجنة المتابعة إليه في ختام نقاشها هو منح مهلة شهر للجهود الأميركية من أجل إقناع نتنياهو بتنفيذ المطلب الفلسطيني بخصوص الاستيطان، وانتهت هذه المهلة في التاسع من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، خلال فترة الشهر. وكما هو متوقع، لم تفلح الجهود الأميركية في زحزحة نتنياهو عن موقفه الرافض تجميد الاستيطان.
ولادة المغريات
من الضروري الإشارة هنا إلى أن المغريات الأميركية المقدمة لحكومة نتنياهو بدأت مؤشراتها بعد فشل اجتماع القدس (15/9). وقد سربت صحف عبرية مختلفة جوانب عدة من العروض الأميركية المتوالية وقد لخصت في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) على النحو الآتي:
1ـ تزويد إسرائيل بسلسلة من الوسائل القتالية المتطورة قبيل التسوية الدائمة مع الجانب الفلسطيني.
2ـ تتعهد الإدارة الأميركية بأن تحبط كل مبادرة عربية تطرح مسألة الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن.
3ـ وتتعهد أيضا بمنع المفاوض الفلسطيني من أن يطرح مرة أخرى موضوعة المستوطنات خارج المفاوضات المباشرة.
وقد أشرنا في وقت سابق إلى العرض الأميركي («الحرية» العدد 1304 ـ 3/10/2010) الذي طرح مقابل موافقة حكومة نتنياهو على تمديد جزئي لتجميد الاستيطان لمدة ستين يوما. وفي حينها نقلت أوساط مقربة من نتنياهو بأنه لن يوافق على العرض واعتبر أن دعم إسرائيل عسكريا وسياسيا أمر تفرضه طبيعة العلاقات الإستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب وأنه ينبغي على الحليف الأميركي عدم إقحام موضوعة الاستيطان في هذا السياق.
الملفت هنا أن هذا العرض لم يلق ما يستحقه من الاعتراض العلني إن كان من قبل لجنة المتابعة العربية أو الفريق الفلسطيني المفاوض، ولم يؤدِ ذلك كما هو مفترض إلى إعادة تقييم لما يسمى الرعاية الأميركية لجهود التسوية في الشرق الأوسط بل على العكس، جاء قرار لجنة المتابعة العربية كما ذكرنا ليجدد الثقة بهذه الجهود ويمنحها شهرا كمهلة لإنجاح جهودها.. والمشكلة الأكبر أنه بعد نهاية الشهر وبروز مؤشرات العرض الأميركي لحكومة نتنياهو تم تمديد هذه المهلة وإضافة ثلاثة أسابيع أخرى والتي تبلور في سياقها العرض الأميركي بصيغته الأخيرة.
الصيغة المطروحة للصفقة
لقاء نتنياهو ـ كلينتون في واشنطن استغرق ثماني ساعات (11/11)، وجاء بعد ثلاثة أيام فقط من انتهاء فترة الشهر والدخول في المهلة الإضافية. ولا تختلف الصفقة في بنودها عما سبق وطرح في نهاية شهر أيلول (سبتمبر) الماضي ولكن مع تفاصيل أكثر خاصة بما يتعلق بالجانبيين الأمني و«القانوني الدولي» ولخصت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بنود الصفقة المعروضة (14/11) على النحو الآتي:
تعرض واشنطن ما يلي:
1ـ في إطار تزويد إسرائيل بالوسائل القتالية المتطور، تقدم واشنطن لإسرائيل 20 طائرة حربية مقاتلة من طراز إف 35 (الشبح) كهبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
2ـ إلى جانب ذلك تعرض واشنطن توقيع اتفاق أمني منفصل وشامل مع إسرائيل وتقترح بدء مباحثات ثنائية بين الجانبين لبلورة التفاهمات الأمنية التي من المفترض أن تشكل جوهر هذا الاتفاق.
3ـ توظف واشنطن صلاحياتها في مجلس الأمن وباقي المؤسسات الدولية لصالح إسرائيل فتقوم بـ:
أـ تستخدم الفيتو في مجلس الأمن وتقف في مواجهة أية محاولة أو مبادرة تناهض إسرائيل في المواضيع التالية:
* محاولة فرض تسوية سياسية على إسرائيل والإعلان من جانب واحد عن إقامة دولة فلسطينية.
* أية محاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل في الأمم المتحدة ومنها ما يخص تداعيات «تقرير غولدستون» ومساندة إسرائيل في منع التحركات التضامنية ضد حصار غزة.
* كما تقف واشنطن ضد أية محاولة لحرمان إسرائيل من حق الدفاع عن النفس.
4ـ ضمانات أميركية لإحباط أية قرارات تسعى للرقابة على المنشآت النووية في إسرائيل. يضاف إلى ذلك زيادة الضغط على طهران بما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
يتفق المراقبون هنا على أن في هذا العرض رسالة أميركية شديدة اللهجة إلى دول المنطقة وتحمل تهديدا صارخا من خلال حماية الملف النووي الإسرائيلي من أية مساءلة دولية وتضرب بذلك عرض الحائط الدعوات المتكررة من دول المنطقة بأن تكون منطقة منزوعة من السلاح النووي.
وفي الوقت نفسه تهديد إلى جميع دول المنطقة وخاصة إيران وسورية من خلال تعزيز الترسانة الحربية لإسرائيل وإطلاق يدها لاحقا للقيام بعمليات عدوانية ضدهما، ونقرأ ذلك من خلال ما ذكرته كلينتون عن سعي الإدارة الأميركية التوصل إلى اتفاق أمني أميركي ـ إسرائيلي للتعامل مع فترة ما بعد المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
ماذا طلبت واشنطن بالمقابل؟
في اجتماعها وبنيامين نتنياهو، طلبت الوزيرة كلينتون من الجانب الإسرائيلي الموافقة على نقطتين:
الأولى: الموافقة على تجميد البناء الاستيطاني لمدة ثلاثة أشهر حتى تضمن موافقة الجانب الفلسطيني على العودة إلى مائدة المفاوضات المباشرة. وقد أشارت مصادر أميركية وإسرائيلية وعربية إلى أن طلب التجميد هذا لا يشمل القدس الشرقية.
الثاني: أن تعطى الأولوية في مباحثات المفاوضات المباشرة لموضوعة حدود الدولة الفلسطينية. وأشارت مصادر مختلفة إلى أن واشنطن تريد ذلك من أجل البحث في مصير المستوطنات التي تقع في قلب الضفة الفلسطينية وذلك كي تتمتع مناطق الدولة الفلسطينية بالتواصل. لكن مراقبين عدة حذروا من أن حقيقة الطرح الأميركي لا ينطلق من تأمين التواصل بين مناطق الدولة الفلسطينية بل كان التركيز على الاتصال بين هذه المناطق. ويحذر هؤلاء المراقبون من أنه حتى مع قبول نتنياهو لهذا المطلب فإنه سيبحث عن صيغة تكفل إيجاد «معابر داخلية» تؤمن هذا الاتصال بين مناطق الدولة الفلسطينية، وهذا يعني بنظر المراقبين أن الدولة الفلسطينية العتيدة ستكون مزروعة بمثل هذه المعابر التي ستعمل برقابة إسرائيل في حال نجحت إسرائيل في إبقاء هذه المستوطنات داخل أراضي الدولة الفلسطينية وتحت الولاية الإسرائيلية السياسية والأمنية.
ماذا تريد حكومة نتنياهو؟
منذ أن طرحت بوادر المقايضة الأميركية هذه، لم يقدم نتنياهو ردا فوريا وعلنيا تجاهها رفضا أو قبولا. لكن مصادر سياسية مقربة منه رأت أنه سينطلق في رده على عناصر هذه المقايضة من نقطتين متكاملتين:
الأولى: يعيد نتنياهو التأكيد على أن الدعم الأميركي والأمني لإسرائيل يأتي في سياق العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، وأنه من مصلحة الولايات المتحدة أن تحافظ على التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، وأن الملف النووي الإيراني يشكل خطرا ليس فقط على إسرائيل بل على الولايات المتحدة وحلفائها أيضا. وهذا يعني ـ بالنسبة لنتنياهو ـ أن هذا الدعم يجب ألا يدخل على خط المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
الثانية: ربطا بما سبق، يريد نتنياهو تقديمات من «العملة ذاتها» أي أنه طالما واشنطن تطلب شيئا (التجميد) يتعلق بالمفاوضات ونتائجها فإنه يجب أن تقدم «مغريات» ذات صلة بهذا الموضوع.
هذا برز فعلا عندما طلبت واشنطن من تل أبيب أن يتم نقاش موضوعة الحدود في المفاوضات غير المباشرة، ولم يوافق نتنياهو على ذلك إلا عندما وافقت واشنطن على إدخال موضوعة الأمن في المباحثات إلى جانب الحدود، وضغطت على الجانب الفلسطيني الذي وافق على نقاش المسألتين معا، وهو ما أدى إلى جمود المفاوضات في حينها وعدم تقدمها في نقاش أي من الموضوعين.
ولاحقا، بعد فشل جلسات المفاوضات المباشرة الثلاث (2 ـ 15/9). ناقش مستشار نتنياهو المحامي مولكو مع مسؤولين في الإدارة الأميركية إمكانية أن تتسع التقديمات الأمنية والسياسية الأميركية لإسرائيل بـأن تشمل إصدار تعهد أميركي بالموافقة على بقاء الجيش الإسرائيلي على امتداد الحدود الشرقية للدولة الفلسطينية «القادمة»، إضافة إلى وجود مراكز أمنية إسرائيلية في مناطق مختلفة من الضفة (هذا يعيدنا إلى سيناريو المعابر الداخلية في جسم الدولة الفلسطينية).
وكان نتنياهو قد طرح قبل بدء المفاوضات المباشرة ما أسماه ثلاث لبنات يمكن أن تقوم عليها هذه المفاوضات وجميعها تقوم على إقرار الجانب الفلسطيني بـ:
1ـ الحل الذي يمكن التوصل إليه هو حل نهائي ويجري الإعلان بعده عن انتهاء الصراع.
2ـ الدولة الفلسطينية يجب أن تكون منزوعة السلاح ويجب أن يضمن قيامها انتفاء أي خطر خارجي على إسرائيل وعدم دخول «أسلحة إرهابية» إلى أراضي هذه الدولة (من هنا طرح بقاء الجيش الإسرائيلي على حدود الدولة وداخلها).
3ـ الإقرار بيهودية دولة إسرائيل، وشرح ذلك في مجلسه الوزاري المصغر بأنه يعني موافقة الجانب الفلسطيني على إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وبأن حل مشكلتهم يتم خارج إسرائيل.