هل أصبح "تجميد الاستيطان" تنازلاً مؤلماً
الآن، نحن بانتظار القرار من لجنة المتابعة العربية، حيث يتم التداول في ما إذا كان من ضرورة قومية باعتبار أن اللجنة تختزل الإرادة القومية كي يعود الرئيس محمود عباس إلى استئناف المحادثات المسماة خطأ "المفاوضات" مع "إسرائيل"، كون الاستئناف أصبح على ما يبدو حاجة ملحة للإدارة الأمريكية، وكون إدارة أوباما تتوقع كالعادة أن تظهر اللجنة تفهمها لحاجتها الاستمرار في "المفاوضات". الدليل على هذا الإصرار الأمريكي للعودة إلى المفاوضات والتخوف من احتمال انسحاب فلسطيني من العملية التفاوضية، أن الطلب الأمريكي من نتنياهو انحسر في تجميد الاستيطان لمدة شهرين مقبلين.
طلب تجميد الاستيطان له ثمن، ما دفع الإدارة الأمريكية إلى إعطاء الحكومة "الإسرائيلية" ما وصف "بالضمانات" التي تنطوي على حضور عسكري "إسرائيلي" مقبول أمريكياً في منطقة الغور، ومساعدات إضافية بأسلحة جديدة ومتطورة، وضمان أمريكي بأنه لن تصل أسلحة إلى الكيان الفلسطيني، ناهيك عن وعدٍ مسبق بأن الولايات المتحدة لن تسمح بانعقاد لمجلس الأمن يعالج القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.
على ما يبدو فإن نتنياهو يعتبر هذه الضمانات "غير كافية"، وإنه في أقصى حالات "التنازل" قد يفكر بالتمديد لمدة شهر واحد مقابل الإفراج عن الجاسوس "الإسرائيلي" بولارد، الذي يمكن أن يكون عنصراً مساهماً في بقاء الحكومة الراهنة، خاصة بوجود وزير الخارجية ليبرمان الذي طمأننا وزير الخارجية المصري أبو الغيط بأنه لا يمثل وجهة نظر نتنياهو، ولو كان هذا الكلام دقيقاً لماذا لم يُفصل ليبرمان من الحكومة فوراً؟ لأن التغاضي عن إقالة وزير الخارجية هو الدليل القاطع على أن هذه وجهة نظر تمثل حقيقة الموقف، ولكن نتنياهو يخرجها بشكل أقرب للالتباس من حقيقتها السياسية.
بمعنى آخر، ما هو حاصل في هذه اللحظات التي نستطيع اعتبارها مصيرية لمستقبل القضية الفلسطينية أن إدارة أوباما تستسهل التجاوب العربي وخاصة تجاوب السلطة الفلسطينية. وتكمن المفارقة هنا في أن "إسرائيل" التي تريد أن تبعد أي قِوى دولية سواء أكانت أوروبية أو أممية عن التعامل مع القضية الفلسطينية، وأن تكون الولايات المتحدة وحدها مؤهلة لإدارة هذا الصراع، بما يمكنها من ممارسة الابتزاز على الإدارة الأمريكية من خلال تفعيل اللوبي "الإسرائيلي" بالشكل الذي برز بأكثر من ثمانين عضواً في الكونغرس يحاولون إلغاء أي تفهم لبعض الحقائق والحقوق للشعب الفلسطيني، ومن ثم التبني الفوري لكل مطلب "إسرائيلي". لذلك أصبحت حاجة الرئيس أوباما إلى إقناع نتنياهو بالتجاوب عرضةً لما يشابه المزيد من "الضمانات" التي تمكن "إسرائيل" من جعل أية حقوق للشعب الفلسطيني تتآكل تدريجياً ببطء حيناً وبسرعة أحياناً.
يستتبع هذا أن ما يقوم به السيناتور جورج ميتشل من حراكٍ منذ استلام الرئيس أوباما السلطة، أصبح محصوراً في أن تكون هناك محادثات، وهذا ما يعيدنا إلى ما تم استنتاجه منذ يونيو/ حزيران 1967 إلى اليوم، بأنه إذا لم تتمكن إدارة أوباما والمجتمع الدولي من انتزاع اعتراف من "إسرائيل" كونها في الأراضي الفلسطينية المحتلة هي سلطة محتلة، فإن عدم الإصرار على هذا المنطلق القانوني من قبل الدول العربية وتأكيده كشرط مسبق هو عملياً كما شاهدنا في الأيام الأخيرة يستولد ممارسة الابتزاز للإدارة الأمريكية، ما يعبر عن سخاء الضمانات المقترحة بما يوجب الاقتناع بأن الوقت قد حان بأن لا توفر لجنة المتابعة في المرحلة الحالية أي غطاء لاستمرار المحادثات. نقول هذا لأنه منذ أوسلو وعملية التآكل في الحقوق الفلسطينية ليست فقط مستمرة بل متنامية، وأن لجنة المتابعة المفترض أنها تمثل النظام العربي السائد وموكول إليها العمل على الأقل على تنفيذ قرارات القمم العربية والالتزام بها أن تسعى لوقف التآكل، وأن تكف عن المطالبة بالتجميد، كأن هذه منّة من "إسرائيل"، وبالتالي كأن الاستيطان أصبح حقاً ل "إسرائيل"، وإن تجاوبت في التجميد في الشهرين المقبلين تتحول استجابة "إسرائيل" إلى "تنازل أليم"، كما تصرح "إسرائيل" دائماً في هذا الشأن.
وإن كان ما تبناه مجلس حقوق الإنسان أخيراً في التقرير الذي وضعته لجنة تقصي الحقائق في جنيف والذي وقف المندوب الأمريكي وحده ضده، والتي أكدت نتائجه النية الإجرامية ل "إسرائيل" وخاصة عمليات القتل المتعمدة والتي جرت قبل احتلال السفينة "مرمرة"، وبالتالي أكدت الطابع السلمي لنشطاء أسطول الحرية التركي، كما تضمنت وجود أدلة تدين "إسرائيل"، فلماذا لم يؤخذ هذا التقرير بالجدية القادرة على ردع "إسرائيل".
إذا كانت هناك من جدية واضحة في الالتزام بالحد الأدنى الذي رسمته قرارات القمة المتعلقة بالمبادرة العربية، فعلى لجنة المتابعة أن تؤكد وحدة المرجعية الفلسطينية وضرورة ألا تبقى "إسرائيل" منفلتة من العقاب لإدمانها على خرق القانون الدولي والشرعية الدولية والقرارات الأممية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني، وأن يكون لخرقها كلفة رادعة تنطوي على إجراءات تقوم بها الدول العربية.
وأخيراً هل يسمح لنا أن نقترح إضافة إلى وحدة المرجعية الفلسطينية وعدم إسقاط خيار المقاومة، المطالبة بإعادة تفعيل المقاطعة العربية وتعليق العلاقات الدبلوماسية القائمة حتى ننقذ القضية ونضمن أن تبقى القضية مصيرية للفلسطينيين وللعرب، وحتى لا نجعل مما هو حاصل كما يقال في أوساط الدبلوماسية العربية الراهنة أنه ليس هناك وفرة بدائل أخرى!... البدائل متوفرة إذا توفرت الإرادة.
السؤال... هل هذه الإجراءات ممكنة؟
هي ممكنة إذا اعتبرنا الكرامة فعلاً وليست شعاراً.