(( العائق الرابع : الفتن ))
والفتن بين أيدينا كثيرة وهى بالجملة تنقسم إلى نوعين إنها فتن الشهوات
وفتن الشبهات .
ولا عون لك لتستفيد من وقتك وسط هذه الفتن إلا إذا استعنت بالله جل وعلا وحرصت على مجالس الخير وعلى مجالس العلم .
أسأل الله أن يحفظني ، وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولى
ذلك ومولاه.
ثالثاً : كيف يطول عمرك ؟!
الإنسان مفطور على حب الحياة ويرجوا أن لو طال عمره ، بل ويتمنى الخلود
إن استطاع .
ولكن الموت يختطف الشاب في ريعان شبابه !!
ويختطف الفتى المدلل الوحيد من بين أهله !!
ويختطف العروسة ليلة عرسها !!
ويختطف الحاكم القوى الموهوب من بين حرسه وجنوده !!
فالأيام محسوبة والآجال معدودة وما دام الموت هو نهاية الحياة فإن العمر
حينئذ قصير .
فالأيام تمر والأشهر تجرى والسنين تولى والعمر ينقضي !!
فما دام الموت هو آخر المطاف فالعمر إذن قصير ولم يستطع العلم بل ولن يستطيع أن يرد الشيخوخة إلى شباب أو أن يحول بين الإنسان وبين الموت .
ومع ذلك قد يستطيع الإنسان أن يطيل عمره !! كيف ؟!
اعلم أيها الأخ الكريم أن العمر الحقيقي للإنسان لا يقاس بسنواته التي قضاها من يوم ولادته إلى يوم وفاته وإنما العمر الحقيقي للإنسان يقاس بقدر ما قدم الإنسان في سنوات عمره من عظائم الأمور وجلائل الأعمال الخيرات الصالحات الطيبات .
هذا هو عمرك الحقيقي يقاس بعمل الخيرات وبالطاعات .
فكم من عمر طالت آماده وقلت خيراته !!
وكم عمر قلَّت آماده وكثرت خيراته !!
إن العمر الحقيقي يقاس بالأعمال والطاعات لا يقاس بالسنوات انظر إلى نبى الله نوح قضى ألف سنة إلا خمسين عاما فى الدعوة إلى الله وقدر الله جل وعلا ألا يؤمن معه
إلا قليل .
وانظر إلى عمر المصطفى محمد صل الله عليه وسلم كم عاش وكم عدد سنوات دعوته ؟ تزيد عن العشرين قليلاً جداً ومع ذلك قدر الله له في هذا العمر القليل أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر فإذا هي بناء شامخ لا يطاوله بناء استطاع أن يرد الناس في صحراء تموج بالكفر موجا إلى الله العلي الأعلى جل وعلا .
وهذا هو صديق الأمة الأكبر في مدة ولايته التي لا تزيد على سنتين ونصف حَوَّلَ المحن التي أصابت الأمة إلى منح .
في سنتين ونصف قضى على فتنة الردة !!
في سنتين ونصف أنفذ بعث أسامة !!
في سنتين ونصف جمع القرآن الكريم وَرَدَّ الأمة إلى منهج النبي الكريم !!
وهذا فاروق الأمة عمر فى عشر سنوات وستة أشهر هذه الفترة القليلة التى لا تساوى أى شئ في حساب الزمن يقدم عمر لدنيا الناس كافة قدوة لا تبلى بل ولن تبلى إنها قدوة تتمثل في حاكم بركت الدنيا كلها على عتبة داره وهى مثقلة بالغنائم والأموال والكنوز والطيبات فقام عمر ليسرحها سراحاً جميلاً .
إنه عمر الذي أرهب الملوك والحكام وتحت قدميه جاءت مفاتيح أعظم الإمبراطوريات ، إمبراطورية فارس ، وإمبراطورية الروم ، وانتصر الإسلام فى عهد عمر شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ورفرفت راية الإسلام على فرنسا وعلى روسيا في عشر سنوات وستة أشهر إنها بركة الأعمار إنها الأعمار الطويلة المزكاة المباركة من الله .
وهذا معاذ بن جبل شاب من شباب الأمة معاذ بن جبل شاب أسلم في الثامنة عشر من عمره وتوفى في الثالثة والثلاثين من عمره .
في هذه السنوات القليلة في عشر سنوات أو يزيد قليلا استطاع معاذ أن يسطر على جبين الزمان وعلى صفحات التاريخ والأيام هذا المجد وهذه العظمة وهذا
الخلود حتى قال له المصطفى يوما : (يامعاذ والله إنى لأحبك) (1)
وهذا هو عمر بن عبد العزيز شاب فى ريعان الشباب فى ولاية استمرت سنتين ونصف استطاع أن يضع يده على الداء الذى استشرى فى أمة الحبيب محمد ونجح فى أن يستل جرثومته بيد بيضاء نقية وأن يعيد البشرية عوداً حميداً وكأنها تعيش فى زمن الوحى حتى خرج المنادى يقول من كان عليه دين فسداد دينه من بيت مال المسلمين .
وهذا الشبل من ذاك الأسد سدَّ عمر بن عبد العزيز الديون وبقيت البركة باركة فى بيت المال فخرج المنادى يقول من أراد من شباب المسلمين أن يتزوج فزواجه من بيت مال المسلمين فزوج الشباب وبقيت البركة باركة فى بيت المال .
فخرج المنادى للمرة الثالثة وهى أعجب ليقول أيها الناس من أراد حج بيت الله وهو لا يستطيع فحج بيت الله على نفقة بيت مال المسلمين وخرج من أراد الحج وبقيت البركة باركة فى بيت المال .
فى مائة سنة فعل هذا ؟! فى ألف سنة ؟! لا والله فى سنتين ونصف . ألم أقل لكم بأن العمر يطول بجلائل الأعمال وعظائم البطولات .
فيأيها المسلم أطل عمرك بعمل الخيرات وعمل الطاعات ، كما قال المصطفى صل الله عليه وسلم
فى الحديث الذى رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح .
((اغتنم خمساً قبل خمس ، حياتك قبل موتك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك ، وشبابك قبل هرمك وغناك قبل فقرك )) (1)
اغتنم هذه الغنائم ولا تضيع عمرك ولا تضيع ساعات وقتك فإن العمر يولى وغدا سترى نفسك بين يدى الله .
وأخيراً أوجه رسالة إلى القتلة بل شر القتلة فمن هم ؟!!
نتعرف عليهم بعد جلسة الاستراحة وأقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم .
(( رسالة الى القتلة ))
إلى من يقتلون الوقت قتلاً .. إلى من يقتلون العمر قتلاً .. إلى من يضيعون
الحياة تضييعاً .
يا من تضيع الوقت : أنت تضيع عمرك وتضيع حياتك وتنتحر انتحاراً بطيئاً وأنت
لا تدرى .
بل ولا يذكرك أحد بهذه الجريمة الشنعاء التى ترتكبها فى حق نفسك .
تسأل لماذا ؟
يقول : أضيع الوقت !!
بل ويقسم الشيخ محمد حسان برب الكعبة انه رأى بعينيه على عرفات في يوم عرفة الناس بلباس الإحرام قد جلسوا على ( الشيشة ) ورأي بعضهم يجلس على السٌّلَّم والثعبان ورأي بعضهم يلعب (الكوتشينة) فتعجبت واقتربت منهم وقلت يا أخي اتق الله أنت بلباس الإحرام في يوم عرفة جئت لتطهر من كل ذنب ولترفع إلى الملك أكف الضراعة وأراك على هذا
اللهو والعبث !!
والله لقد رد علىّ جلهم وقالوا : يا شيخ اليوم طويل هانحن نضيع الوقت!!
تضيع وقت عرفات ؟!
تضيع وقت الطاعات ؟!
تضيع وقتاً يتنزل فيه رب الأرض والسموات ليباهى الملائكة بعباده الذين ذهبوا إليه شعساً غبراً يطلبون رضوانه ومغفرته ؟! .
أيها القاتل لوقتك بل لعمرك بل لحياتك !!
والله الذى لا إله غيره ستندم يوم لا ينفع الندم وستأتى عليك ساعة ستعرف فيها قدر الساعة .. وسيأتى عليك زمن تعرف فيه قدر الزمن .. وسيأتى عليك وقت تعرف فيه قدر الوقت !!
إذا نمت على فراش الموت ستتمنى من الله أن تعود إلى الدنيا ساعة واحدة لتعمل فيها صالحاً لله جل وعلا .
اللهم استرنا فوق الأرض استرنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض .
أيها الحبيب الكريم اعرف قدر وقتك وشرف زمانك وحقيقة عمرك وحقيقة ساعات أيامك فعد الليلة إلى الله .
البدار .. البدار .. قبل فوات الأعمار واسمع إلى العزيز الغفار وهو ينادى عليك ويقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)